الصفحة في مرحلة تجريبية وتخضع لعمليات تحديث مستمرة

مرئيات

كلمة الشيخ رائد الستري في ملتقى الحج 1445هـ

كلمة الشيخ رائد الستري في ملتقى الحج: 18/شوال/ 1445 الموافق 27/04/2024

مجالات التبليغ في الحج

بسم الله الرحمن الرحيم، والحمدُ لله ربِّ العالمين، والصّلاة والسّلام على أشرف الأنبياء والمُرسلين، محمدٍ وعلى آلِ بيته الطيّبين الطّاهرين.

الهدف من الإرشاد:

ما هو هدفنا من إرشاد الحاج؟ تارةً نقول بأنَّ الهدف هو أن نوصل الحاج إلى حجٍ صحيح، وتارةً أُخرى قد نوسِّع من الهدف إلى ما هو أوسع من ذلك، وذلك لأنَّ الحجَّ فرصة يلتقي فيها المُبلِّغون بالناس، وهذه الفرصة يمكن توسعتها وجعل الهدف أكثر شمولاً؛ بحيث تُستغلُّ فرصة الحج؛ لتكون فرصةً لتصحيح وضوء الحاج، غُسله، صلاته، حجّه، بل ويمكن كذلك التوسعة لهدف الحج لأن يكون تصحيحاً لأخلاقِه وسلوكيّاته، وكذلك إرشاداً إلى كيفيّة حلِّ بعضِ مشكلاته الزوجيّة.

إرشاد أكثر شموليّة:

نحن في تجربتنا على مرِّ السّنوات التي تنقَّلنا فيها في حملات الحج، سعينا لأن يكون الهدفُ أوسع من أن يكون فقط إرشاداً إلى الحج، إذ المفروض أن يكون إرشادُ الحج أكثر شمولاً، ولذلك هناك الكثير من الحُجاج يُعاتِب بعض الحملات وبعض اللجان الإرشاديّة في اكتفائها بالحج الفقهي وابتعادها عن الحجِّ المعنوي، فضلاً عن ابتعادها عن الجانب الأخلاقي والجانب الأُسري، وفي تجربتنا الاجتماعيّة نجد بأنَّ هناك من ينتهز فرصة ذهاب البعض إلى الحج، ويعرف أنَّ هذا الحاج معك في القافلة ليرسل لك رسائل عبر الواتساب وغيره: لو أمكنك أن تُكلِّمَ هذا الحاج؛ ليُصحِّح علاقتَه مع زوجته، ويصحِّحَ علاقتَه مع أبيه ..الخ. فأنا أعتقد بأنَّ الحج كما العمرة أيضاً، فرصةٌ سانِحةٌ جدّاً للمُبلِّغ والمُرشِد؛ لكي يُصحِّحَ سلوكيّات الحاج والمُعتمِر بشكلٍ أشمل وأكبر، ومِن هُنا إذا جعلنا الهدفَ أعمَّ وأوسع، سوف نواجِه مُشكِلةً ترتبِط بالوقت المُتاح لنا؛ حيث أنَّ وقتَ الحجِّ الآن قد تقلّصَ كثيراً، وصار بعضُ الحجيجِ هدفُهُ أن يأتي الحج من أجل أن يحجَّ فقط، ورُبَّما يكونُ مجموع حجِّهِ ستّة أيّام، فكيف يمكنك أن توجِّه وتُرشِدَ وتستوفي كلَّ هذه الجنبات في هذا الوقت القصير.

الدَّمج في الإلقاء:

لذلك وبحسبِ تجربتنا وَجَدْنا بأنَّ الدّمجَ في الإلقاءِ مُهِم جدّاً، وذلك لأنَّ الوقت المُتاح لك قليلٌ جدّاً، وعندما نأتي لنُفرز المحاضرات ستجد أنَّ هذه محاضرة فقهيّة فقط، وتلك محاضرة روحيّة فقط، وهذا لن يُغطّي لك الطرحَ الأشمل، لذلك في نفس المحاضرة الفقهيّة أجد بأنَّ التطعيم الرّوحيَّ مُهِمٌّ جدّاً، فلا بُدَّ أن تُطّعِم إرشادَكَ روحيّاً، فيمكنك من خِلال بيان الجانبِ الفقهي أن توجِّهَ وتُبيِّنَ الجانِبَ المعنويَّ والجانب الرّوحي والجانب الأخلاقي، وغير ذلك، فمثلاً إذا طرحنا مسألة الدَّين، حيث يكون الحاجُّ عليه ديناً، يُمكِن في هذا الجانب، وبجانِبِ التوجيهِ الفقهيِّ أن أذكُرَ قيمةً أخلاقيَّةً في ضرورة ترتيبِ وضعِ الدّيانة أو السَّداد، أو الدَّفع، أو غير ذلك، لذلك؛ الآليّات تتعدَّد، وتتكاثر في هذا الجانب.

ضيق فترة الحج

أوّل آليّة: أن تدمج؛ لأنَّ الوقت ضيّق، ومُدّة بقاءِ الحاجِ ستّة أيّام، وهو يحتاجُ لكثيرٍ من المسائل الفقهيّة والروحيّة والمعنويّة، وقد تجده يُعاتِبُكَ بعدم وجود المحاضرات الروحية والمعنوية، وهو قد أتى في ليلة السادس مثلاً، وقد أنتهى للتوِّ من أعمال العمرة، وليس لديه إلاّ ليلة السّابع فقط، وسوف يُحرِم في اليوم الثامِن إحرامَ الحج مثلاً، من هنا محاضرة الإرشاد الأساسية يجب أن تتضمّن جوانبَ روحيّة ومعنويّة، ونُضيفُ أيضاً بأنَّ مسار الآليّات يسير في معالجةِ المسائِلِ التي يحتاجُها المُكلّف، الآن في الاندماجات التي حدثتْ خلال هذه السنوات لاحظتُ أنَّ بعض المشايخ ــــ وفَّقهم اللهُ لكلِّ خيرـــــ عنده تجربة قديمة، أنا شخصيّاً لديَّ تجربة قديمة مع الشيخ علي بن عبد الله (رحمه الله)؛ حيث كان في زمنه من أبرز المُرشدين، هو قد أخذ تجربته من السيّد جواد الوداعي (رحمةُ الله عليهِما) وكان الشيخُ علي بن عبدالله يشكو من قلّة الوقت؛ لأنَّه كان يُفصِّل؛ حيث كان يستخدم أُسلوبَ التفصيل؛ لأنهم كانوا يجلسون عشرة أيّام في المدينة المنورة ويُفصِّلون، فعندما كان على سبيل المثال يطرح المشاعر وموقف عرفة، يأتي لعرفة وحدودها وأسمائها، وإلى سبب تسمية البطون والأودية المُحيطة بها، ويعمد إلى الشرح التفصيلي، ففي محاضرة واحدة فقط يشرح حدود المشاعر وغير ذلك. ويأتي إلى مسألة الحدث، ويُفصل فيها إلى تفاصيل عديدة جدّاً، وعندما نأتي إلى النِّتاج، وجدتُ أنا شخصيّاً بأنَّ الحاج يضيع وسط هذا الشَّرح، ولا يعرف المسألة التي لا بُدَّ له أن يحفظها، أو التي ينبغي له أن يلتفت لها.

أنواع الحجيج، والفروقات بينهم:

نقطة ثالثة في الآليّات: لا بُدَّ أن نلتفت للفروقات بين الحجيج؛ الحجاج والحاجيات عندهم فروقات في مستوى الاستيعاب للمسألة الفقهيّة، وفروقات حتى في مستوى الاهتمام الفقهي، فيأتي حاجٌّ لا يعرف صلاة الجماعة، ولم يتعوّد دخول المسجد والمأتم إلاّ في قليلٍ من المناسبات، هذا كيف تتعامل معه، فهو لا يعرف ماذا يعني واجب وأحوط … ولا شيء من المصطلحات الفقهية، ولا هو مستوعب بعض الأحيان لما نقول؛ ينبغي ولا ينبغي، أو نقول: مكروه أو ولا يجوز شرعاً ….  لذا هناك فروقات بين الحجيج وبين الحاجيات يجب أن تُراعى، ويجب أن يلتفت إليها المرشِدُ ويبدأ في معالجتها، لذا يجب أن يلجأ إلى إسلوبِ التوضيح والتبسيط والسلاسة في الطرح، وهذا مع الأسف ما يفتقدُهُ البعضُ من المُرشدين، إذ يلجأ إلى الشرح كما يشرح إلى الحوزويّين وإلى طلبة العِلم، فيعتمد في شرحه على الأُسلوب الحوزوي، مِمَا يجعل الحاجَّ لا يفهم المسألة، ولذا يشكو الحاجُّ حينئذٍ من المُرشِد رغم جدارته.

الحاجة إلى التبسيط، وانتقاء الألفاظ في الإرشاد:

تحتاج في بعض الأوقات أن تُبّسِّطَ وتوضِّحَ المسائل بنوعٍ من السلاسة، وفي نفس الوقت لا بُدَّ أن تنتقي ألفاظَك؛ لأنَّ الجمهور الذي لدينا من الحجيج اليوم اختلفوا، وقد وجدنا هذا الاختلاف، ففي السَّابق بعض الألفاظ مُجرَّد أن تذكرها توضيحيّاً تذهب في الصميم، وشيخ علي بن أحمد ـــ رحمه ـــــ الله  كان يقولها في الصميم، مُجرَّد أن يقولها تذهب الكلمة في الصميم، الآن لو تذكرها للحجاج والحاجيّات قد يضحكوا عليك ويقولوا: هذا المرشد ليس لديه منطق، لا يعرف كيف يتكلّم، وهذه مشكلة نواجهها في بعض الأحيان، حيث تجد أحياناً  التبيين والتوضيح بالألفاظ الصريحة يكون سهلاً جدّاً، لكنك لا تستطيع أن تُخاطِبَ بِه هذه الفئة من الناس الآن؛ التي ارتقت بحسب ما يرون، وارتفعت في مستوى وعيها.

اللّين والمراعاة

رابعاً: اللين والمُراعاة والرِّفق مع الحجيج، إذ نظراً لوجود هذه الفروقات، قد تصطدم بحاجٍّ بسيطٍ تماماً، أنت شرحتَ وتعبتَ، وإلى آخره، والناتج: حاج ارتكب لكَ خطأً بسيطاً جدّاً، مثلاً في إحدى المرّات بعد أن انتهينا من الطّواف والعمرة المُفردة، وأردنا الشّروع في طوافِ النِّساء توجّهتُ للمُعتمرين وقلت لهم: من ذهب لدورة المياه فليُجدِّد وضوءه، فقالوا بأجمعهم جدّدنا وضوءَنا، فلمّا أردنا الطّواف قال لي أحدُ الحُجّاج، وأسرَّ لي؛ قال: زوجتي لمّا كُنّا في الفندق دخلتْ دورة المياه، وخرجت ولم تتوضّأ، فطافتْ وصلّت وسعت وقصّرت من دون وضوءٍ تماماً.

تتفاجأ في بعض الأحيان أنَّك تُنبِّه بحسب تجربتِك على هذه الأشياء، وتُلملِمَها، وتصبح لديكَ خِبرة، أنا أقول لك ذلك؛ لأنَّ في بعض الأحيان انتقاء بعض الألفاظِ الصّريحة يوفِّرُ عليك، ولكِن أنت لا تستطيع أن تتلفَّظه وتذكره وتقولَه، إن ذكرتَه قالوا هذا الشيخ والمُرشِد لا يعرف كيف يتكلّم، ولا يعرف كيف يُعبِّر، فلدينا قضايا كثيرة، مثلاً الآن الغفوة؛ هذه مُشكِلة تحدث لنا، الغفوة، إذ نخرُج من مِنى إلى الحرم، نصف الليل، ويغفون وتأخذُهُم الغفوةُ في الباص، ويأتون مُباشرةً يريدون الذّهاب للطّواف، أنت لا بُدَّ أن تُنبِّه وتقول لهم: ولو غفوتَ غفوةً بسيطةً عليك بتجديدِ الوضوء للطّواف، وعليك بتحمُّلِ الحجيج قدر الإمكان، ومن ملاحظات الحُجّاج ضيق الصّدر عند بعض المُرشدين، لا سيّما الأخطاء البسيطة، عندما يقع فيها الحاج، فتجد بعضَ المُرشِدين مثلاً يُعصِّب ويقول للحاج كلمات شديدة، وسوف تتفاجأ بقسم من الحجيجِ لم تكن تراه لا في محاضرة ولا في صلاة جماعة ولا في أمسية ولا في أي نشاط، سترى حاجّاً جديداً عليكَ أصلاً، فعليك أن تستوعبَه، وتعرف أنَّ هذا الشخص ليس في هذه الأجواء كلها.

الاختلاط مع الحجيج:

الأمر الخامس: التواجد الدّائِم مع الحجيج، وهذا أمرٌ مُهِمٌ جداً، بعض المُرشدين تراهُ دائماً متواجداً مع الحُجّاج؛ فتراه في الإفطار، وتراه في الغذاء، وحتى في العشاء، هذا التواجد مُهم جدّاً، الحُجّاج يرونه فيأتوا للحديث معه، وهذا شئٌ مُهم، وهناك البعض الآخر من المُرشِدين في غرفته فيطلب غذاه في غرفته، وكل ما يطلب من شئ يريده في غرفته ولا يراه الحجيج، فتكون العلاقة فقط بين جمهور ومحاضر، فقط يأتي يحاضر ويذهب  يُلقي كلمتة ويذهب.

التنوّع في الطرح والتنوّع في المُحاضِرين:

الأمر الأخير التنوع في الطرح والتنوع في المحاضرين: فمهما كُنتَ قادراً على البيان وعلى التوضيح ومتمكناً فقهيّاً وروحيّاً ومعنويّاً لكنّكَ لن تضيف الأثر المتمثِّلَ في التنوّع وإظفاء نوعٍ من الإثراء، لذلك لا بُدَّ أن يكون لديك مجال نفسي أنّك تسمح للآخَرين؛ الذين معك في الإرشاد أن يلقوا ويشارِكوا، من هو معك الآن في ضمن الطواقم الإرشاديّة المندمجة لا بُدَّ أن يكون عندك مجال وفسحة نفسيّة أنّك تسمحُ للآخَر بأن يُلقي، البعض يقول: لا توجد إشكاليّة؛ أن يكون شخصٌ واحد بُيبيِّن شيء  والآخَر يُبيِّن شيئاً آخَر، مع التنسيق البسيط، فنحنُ مثلاً العام الماضي، تجربتنا نجلس نحنُ الطّاقم الإرشادي ونوزِّع الأدوار فيما بيننا؛ أنت ستُلقي هذا الأمر والآخر يُلقي الأمر الآخر …. وهكذا، تتوزع الأدوار والكلمات، ويتم الإلقاء بشكلٍ مُنظَّم، وهذا التنوّع يُعطي ثراءً، كما ويفتحُ فسحةً إلى الحجيج بالارتباط بجُملةٍ من المُرشدين الأكفاء؛ حيث يتواصل المُرشِدون مع هذا الجمهور، وهناك من المُرشدين من يستأثِر ويقول: أنا سوف أكون المُلقي فقهيّاً، وأنا مَن سأصلّي بهم جماعةً، وأنا، وأنا … طبعاً هذه سلبيّة موجودة. كلُّ هذه الجوانب أيُّها الأحبّة يمكن استعمالها بآليّاتٍ كثيرة جدّاً؛ من خلال زيارةِ غُرفِ السَّكَن، والتواجد في صالات الطّعام، وانتهاز التواجد في الباص مثلاً، هذا الجانب الميداني، فلتكن حاضراً فيه ومُتواجِداً، ولذا أنا لا زلتُ أُطوِّف الحجيجَ، رُغمَ إمكانيّة الاعتذار عن هذا الجانب، ولكِن أجِد بأنَّ تواجدي في ضمن الطّواف مع الحجيجِ يوفِّرُ تواصلاً وإضافةَ واطمئناناً كبيراً إلى الحاج، وهذا الاطمئنانُ يُعطي الحاجَّ ثقةً في المُرشِد وارتباطاً كبيراً جِدّاً، وهذا النوعُ من الاطمئنان أوفِّرُهُ وأنا أقفُ عند المقام، وأقولُ لهُم: إنْ أحتجتُم إلى مسألةٍ فيُمكنكم التواصل معي، أو نحوه، وكذلك من وسائل التكنولوجيا المُستعملة المُلخَّصات وإرشادها للمجموعاتِ الإلكترونيّة، كما أشار إليها الأحِبَّةُ، وأرجو المعذرة على الإطالة، والحمدُ لله ربِّ العالمين، وصلِّ اللهُمَّ على محمدٍ والِ محمد.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى